كل فرد في وطني بطل..
كل فرد في وطني بطل من الشيخ حتى الطفل , حتى المرأة
قبل الرجل...
في كل يوم أخرج من البيت إلى العمل . انتظر السيارة التي
تأخذني لمدرستي ودوماً في عيني أحملُ تفاؤلاً وأمل...
استقبلُ نهاري بابتسامة وجِد , فبالرغم من واقع الأمور
حولي أنا لا أعرف الكلل أو الملل .منذ صغري علَمني والدي
أن أرافقَ الابتسامة والأمل ونهاني عن مرافقة الكلل والملل
فهما رفقاء سوء يحملان للبشرية سوء الأداء في العمل
هذا نهج حياتي المستمر خلال العمر..الذي هو عبارة عن أيام
أسبوع مكرر على امتداد الزمن...ما عدا يوم الثلاثاء.
في كل ثلاثاء أجبرعلى المشي مسافة أطول للوصول إلى
سيارة العمل حيثُ أن سوق المدينة شارعنا في هذا اليوم يحتل
وعبورُ السوق أمر اعتيادي كل ثلاثاء..
دخلتُ السوق ومن عادتي التأمل في الأشياء .. رأيتُ الوجوه
حولي ..البائع متحمسٌ والشاري مترددٌ, كأن السوق نموذج للدنيا
يجتمعُ فيه الثراء والشقاء..أطفال وشباب ورجال ونساء
وكلٌ يحملُ في وجههِ دلالات وعلامات وإيحاء
هذا وجه جدة صديقتي تمشي ببطء شديد , وهذا وجه "أبو الوليد"
ماذا حلَّ به؟؟ فقد رأيتُهُ قبل سنتين لم يكن هذا الشيب يحتلُ رأسَهُ
ولا تلك التجاعيد........! يبدو أنه مشغول بإحصاء قائمة الأشياء
التي طلبتها "أم الوليد"..........
وهذا "عيد " مازال يُسرحُ شعرهُ بنفس الطريقة , ويبتسم بنفس الطريقة
وحبةُ العرق مازالت تنسابُ من جبهتهِ على وجههِ بنفس الطريقة
لكن وقفته ليست بنفسِ الطريقة..., بل هو جالس....!!
بنظراتي اخترقتُ المدى الذي يفصلهُ عني ونظرتُ إلى جلسته, فإذا
هو على كرسي متحرك قعيد....
عيني تسأل بألم شديد : ماذا حلَّ بكَ يا "عيد" ؟؟!!
نظراتُ "عيد" تجيب : لِمَ نظراتُ الألم والشجن, لا شيء يستحق أن يُذكر
فقط أهديتُ أرجلي للوطن..!!
رغم الشعور المرير تابعت المسير في نموذج الدنيا الصغير . رغم الصعاب
مازلتُ أرسمُ درس أبي على وجهي وملامحي ومازلتُ أضع ابتسامة
أمل دون كلل أو ملل.
مَنْ تلك هناك ؟؟
إنها" ريم" ....
أذكرْ شقاوتها حكاياتها أيام ثانوية المراهقين. "ريم " الآن مهندسة
تعملُ في شركة ..طيلة عمرها فتاة مرحة ناجحة.....
لكنها ليست كعادتها..أين أناقتها.. أين انطلاقتها ؟؟!!
"ريم" ناديتُها باسمها
التفتْ إليّ : "زينة " ..أين أنتِ ؟
عانقتُها بعيني : بخير ..كيف حالكِ ؟
"ريم" : بخير ..كل الخير ,عُدتُ إلى غرفتي الصغيرة في بيتنا.
بلسانِها تنطقُ الحروفَ وعينيَّها الدموع تعارك.
أنا : أراكِ مختلفة كل ما علمتُهُ من الصديقات أنكِ تزوجتِ في
المدينة المجاورة قبل عام.
"ريم" والهموم يحملها صوتها : تزوجتُ قبل عام ..وها أنا بعد
عام... أرملة ....
ياااااااااااااااه حتى أنتِ يا ريم طالتك المعركة !!!
انتقلَ عراك الدموع من عينيها إلى عينيَّ ...... , وفررتُ من
الهم الذي استوطن نفسي لأجلها عبر السوق...
هذا "إياد"
"إياد" الذي كان يختالُ دوماً بجمال شعره وانسيابه ..,
ماذا حلَّ بشعرك وقوامك؟؟
أذكرُ أني كنت صغيرة ورغم صغري كنتُ أفهم ما حولي
"إياد " فارس أحلام فتيات حينا ,كُنّ جميعاً يتنافسن على الحصول
منه على نظرة ...لقد صنع بكَ العمر ما صنع...!!
يمسكُ بيمينهِ طفل ويساره طفلة..هما إذن أبناؤك ..من أجلهما الحياة تناضل !!
لم أعرف بمَنْ تزوج ؟ لكن كل ما أعرفهُ أن مشيته لم تعد تحتمل التبختر..
وشعره لم يعد ينساب...!!
وهذا البائع ...
في كل مرة أسمع صوته يجلجل, ينادي هذا ويصيحُ بذاك..
يبتسمُ مرة ويعبسٌ مرات ...
أخر مرة سمعته يقول " زنقة ...زنقة "
لا أعلم ماذا قصد بهذا ؟؟
قد تكون احتجاجاً على سياسة السوق والبيع..
أو أراد فقط الفكاهة ..
أو هي كلمة يطلقها لجذب الزبون لِمَا يبيع..
ماذا يبيع ؟؟
عجباً.. رغم مروري من جانبه كل أسبوع ..
لم أنتبه لِمَا يبيع ؟؟!!
زينة زيدان