الخميس، 18 سبتمبر 2014

من ذاكرة حرب غزة 2014




من ذاكرة حرب غزة 2014 

في  هذا الزحام من الجراح و الآلام ، زحام الأحداث المرعبة التي تدافعت في الوصول إليك بل إحاطتك والإيغال في ذاتك على امتداد الواحد والخمسين يوم . ثقل  من كل ما هو غريب عن إنسانيتك يجثم فوق صدرك يحارب طبيعتك ويجعل منك شيء آخر لا يشبهك...
ففي لحظة سماعك الصراخات جيرانك تدوي في المكان " إخلاء" ذاك الشخص الذي خرج مهرولا مرعوبا حافيا في يده حقيبة جهزها سلفا متحينا هذه اللحظة يحملها تارة ويجرها أخرى ، رغم أن هذا الشخص هو أنت إلا أنه لا يشبهك وتصرفاته في تلك اللحظة لا تتناسب قط مع حجم أناقتك المعتادة...
في هذا الزحام من الاوجاع الممتدة والمترامية الاطراف والتي تنمو بترف عبر مساحات الصفاء الروحي لديك فتمحوها وتكسوها توتر وارتباك . وتلوث كل ما يملكه قلبك من نقاء.
في هذا الزحام من الموت ، زحام الخوف وزحام الغضب في معظم أحيانك وزحام الضعف في بعض أحيانك ...
في هذا الزحام من الخيانات وزحام الخديعة والمناورات المستمرة من اللؤم والغدر ...
في ظل كل هذا يتوه الحرف منك تحت ركام الكلام . كل الكلام يفنى ويفر من بين شفتيك ويعربد على لسانك الصمت ، فتجد الكلمات منك هاربة والعبارات تائهة ... فهول ما رأت أعينك وما سمعت آذانك شل كل أفكار الجمال وفن المقال الذي كنت تعتقد أنك تتقنه ، وجعل حرفك مقعد لا حول له ولا قوة ولا ـــــــــــــــــــــــــــــــ فيه أي نبرة. الريح المسممة بالحنق والخوف التي استنشقها أنفك وتعبأ بها صدرك دمرت كل لمحات الجمال التي طالما كان يرسمها حرفك فصار رسم المعاني وعمق الجمال فن أداؤه محال.
نفسك لم تعد تجيد سوى غزل أحاديث الموت والرعب والحرب ، وسرد ذكرياتك الجميلة مع من كانوا بالأمس قربك واليوم مضوا ... وأنت ما زلت تسرد تفاصيل يومك الأخير معهم حتى آخر لحظة ... تلوك الكلام في فيك كالعلقم مر المذاق وتخرجه على شكل زفرة...
كم تحاول وتحاول أن تجد لنفسك طريقا سالكا في هذا الزحام يمكنك من رتق الثقوب والفجوات التي اعترت ذاتك مستعينا بخيوط الصبر  والثبات فتنجح في بعض الاحيان وتهزم في كل الأحيان ففي النهاية أنت إنسان ... فارأف بذاتك فقد خُلق ضعيفا الإنسان .
تعارك ذاك النبض المضطرب في قلبك لتفرض عليه تهدئة وتفاوض كل أفكارك كي تنتظم الأحداث داخلك . تعارك تلك الدمعة وتجاهدها كي لا تخرج فاضحة قوتك وثباتك . ولم تزل تعارك كأنك في حرب تخوضها بذاتك ضد ذاتك ،  فتنصب أمام دموعك ألف حاجز وحاجز لتلزمها بالمكوث خلف حدود أحداقك ، تقيدها بعزيمتك وجلدك ... لكن كل ما فيك يتجبر عليك وخارج عن قانون أحكامك ، فالنبضات تشتد في صدرك وترسل الإرتجافات إلى أوصالك ، والدمعات تفر وتكر وتتساقط ...تسيل ثم تنهمر بغزارة تتساوى مع حجم الدم الجاري أمام ناظرك...
تقف هناك وحدك ، وتعيش المعضلة وحدك ، وتموت وأنت حيٌّ وحدك ، سرت وحدك وعدت وحدك ... وكل هذا العالم لا يجيد شيئا سوى مشاهدتك .
مع كل صوت كان يلج المكان فوقك وتحتك وحولك كنت ثابتا ، صارما ، غاضبا لا شيء يثني عزمك ويكسرك.
ووحدك كنت تعلم أن في قلبك هاجس يزدحم فيه الخوف والضعف تهزمه تارة وتارة يهزمك .

زينة زيدان الحواجري
من ذاكرة الحرب 2014