67......في عيون جدتي
الجزء الأول
" النكسة العربية كما ترويها جدتي التي عاشت المحن ...وعاصرت كل هموم الوطن..."
أخبرتُ جدتي صباح أمس أنه في الغد تاريخ 6/6 وهو ذكرى نكسة 67 لفظتُ التاريخ بعفوية فقد أردتُ منها فقط الحصول على أكبر قدر من التفاصيل حول الموضوع الذي عاشته كما عاشت الكثير الكثير من الأحداث ، فجدتي الآن عُمرُها فوق التسعين وتعي جداً كل ما مرَّ في سيرة حياتها من حكم الأتراك حتى حكومة غزة ورام الله .
أخبرتُها بالتاريخ فإذا بها تمسك بيدي بقوة وتقول : " أرجوكِ اصمتي ..
لقد اقشعر بدني ..لا تذكري هذا التاريخ..."
رغم جلَّل الحدث لم أتوقع منها ردة الفعل هذه ، وكانت دافعي للاستفسار..
في نفس الوقت كانت حاضرة أمي وهي أيضا عاصرت الحدث ، وكانت وقتها
متزوجة منذ وقت قصير .. وتناوبت كلاهما _ جدتي وأمي _ في سرد التفاصيل ،
دون اختصار أو تقليل. وفي عينيهما شجن وحيرة وموت.... وحنين .
تنافستا في طرح الأمر بحماس ٍ ممزوج ٍ بالألم ِ ، ولأول مرة أرى حماس عيون
فيها حماس يوازن الألم...!!
روتْ جدتي .....
أنه في ذاك اليوم علم الناس في المخيم أن قوات إسرائيلية غارت على القوات العربية ،
وكان الناس وقتها كلهم أمل وتفاؤل بالنصر بعدما صار لهم جيش تكون وتدرب على
يد "أحمد الشقيري" أول رئيس لمنظمة التحرير قبل " ياسر عرفات" _ رحمهما الله_
وكان يطلق عليه جيش الشقيري الذي فتح باب التجنيد للجميع من سن ست عشرة سنة.
وتمَّ توفير السلاح للجميع وتدريبهم في دورات عسكرية منتظمة ومتعددة. كان الناس
في ذاك الوقت متأكدة من النصر وكان لدعم الرئيس المصري جمال عبد الناصر للفلسطينيين
أعظم أثر في خلق هذا الشعور بالأمل...
بعد ظهر يوم 6/6/ 1967م
رأت جدتي كما رأى كل أهل غزة ومخيماتها وقراها الطيران الإسرائيلي يحلق بكثافة
في سماء غزة وأسراب من الطائرات تتجه جنوباً نحو مصر.
كان الإعلام في ذاك الوقت ضعيفا ، والأخبار تنتقل بتكاسل وبطء شديد.
قالت جدتي:
" لقد قمت بعدّ عشرين طائرة حربية إسرائيلية تتجه إلى مصر... وقد أتتنا الأخبار
الأولية بنصرة الجيش العربي وان قواتنا تقدمت وهي الآن في طريقها لتحرير فلسطين
وطرد إسرائيل... وظهرت سيارة منظمة التحرير في شوارع المخيم تزفُ الخبر..
وتبشر بالنصر . وخرجت جموع الناس إلى الشوارع ترش الورود والحلوى،
والنساء تطلق الزغاريد والكلمات الممجدة للجيش العربي وللرئيس جمال عبد الناصر
ولجيش الشقيري.."
ساحات الفرح والسرور ملأت المخيمات الفلسطينية ، وبالفعل أتتْ من المنطقة الحدودية الشرقية للمنطقة الوسطى ومدينة دير البلح _ منطقة وادي السلقا _ تحديدا عدد كبير من الدبابات التي تحمل الأعلام العراقية والأعلام العربية، وانطلق الآلاف لاستقبالها على
طريق صلاح الدين العام .... اقتربت الدبابات العربية المنتصرة والتي جاءت لملاحقة إسرائيل ...وزادت الزغاريد ، وصدح التهليل والتكبير....
كلما اقتربت الدبابات اتسعت الابتسامات في وجوه وقلوب أهل المخيم ... كلما اقتربت أكثر عادت حدود فلسطين إلى سابق عهدها في عقولهم ترتسم .. وازداد لمعان العيون
والشعور بالمجد والنصر ...
كانت الجموع تتجه نحو الطريق العام لملاقاة الجيوش العربية وجدتي تنطلق في الاتجاه المعاكس عائدة للمخيم... بلهفة ِ تعدو وتعدو .. وصلت بتها الصغير الفقير دخلت غرفتها
وعينيها معلقة بالصندوق الخشبي الذي يحتل زاوية الغرفة... مدت يدها حتى قاعه
أخرجت مفتاح ...انه ذاك المفتاح الذي يلازمها وتلازمه منذ نكبة 1948م ...
أمسكت المفتاح بقوة وعزة وجبروت وانطلقت تعدو بأقصى سرعتها خارج المخيم
كان وقتها أقصى حلم لها أن تصعد ظهر دبابة وتعود إلى بيتها بعدما خرجت منه طريدة ، ليس لها ركوبة غير قدمين حافيتين..
في هذه اللحظة صار صوت جدتي كأنه هدير وكلما نسيتْ تذكرها أمي بأدق التفاصيل....
للحديث بقية
زينة زيدان
امبارح قعدت اقول في نفسي ، ليش ما سجلت ذكرياتي امي الله يرحمها عن النكبة والنكسة .. كان هلقيت صار عندي شهادة حية عما حدث بعيدا عن الاخبار التي تناقلتها وسائل الاعلام او السياسة نفسها ، مشاعر الناس ومعايشتهم للحرب ..
ردحذفبصراحة انا نادمة كثير ، والدي ذكرياته وذاكرته قوية ولكنه يحب الحديث عن العقبة اكثر شيء !!
استمتعت بالقراءة وفي انتظار التدوينات القادمة ..
ابو عمار..... وهكذا دائما تبقى فلسطين في عقولنا وقلوبنا بفضل اجدادنا نراها امامنا كلما نظرنا اليهم ,نرى الاحداث حقيقيه,فهم تاريخنا وهم مستقبلنا, فنحن ننظر الى الامام كلما سمعناهم او تذكرناهم , هم مؤرخونا الحقيقيون, من حسرتهم نرى قرانا ومدننا, ومن دموعهم نرى ان علينا متابعة المشوار حتى لا يبقى اولادنا بعيدين عنك يا فلسطين...اطال الله في عمر جدتك, وعمرك زينه.
ردحذفجميل أن نسمع التاريخ ممن عاصروه، كلي شوق في انتظار بقية القصة
ردحذفصديقتي امتياز
ردحذفعندما نسمع القصة ممن عاصروها
وعاشوها فإن الأمر مختلف
أنتِ لم تري ملامح جدتي ونظراتها وهي تروى
مرة تبكي وأخرى تنعطف وتجري ورنجرف
كل كلمة ترسم معها لمحات
سأحاول كتابة كل ما أستطيع الحصول عليه من
ذاكرة جدتي
أشكر إطلالتك امتياز
أبو عمار
ردحذففي مرورك الثاني لدي
لك مني كل تقدير
ويكفيني شرفاً أنك تمر عبر
صفحتي المتواضعة..
كلماتك مؤثرة جدا تنم عن طول مشورك وكفاحك لسنوات البعاد والغربة
جمعك الله في وطنك العزيز أنت وأحبابك
لكلماتك عبق فريد ينقل لقلبي احساس
الشوق الشديد لبلادي
أشكر مرورك المميز
واتمنى ان اراك دوما بين أسطري وكلماتي
يكفيني فخرا ان لك اسما على اسم قائدنا العظيم ابو عمار
تحيتي
لصغيرك عمار
ولأمهُ أم عمار كل الحب
أخي صالح
ردحذفوأنا استمع لجدتي
لازمتها وشعرتُ بارتعاشات جسدها
تروى القصة والدموع ترافق كلماتها
كل ما تتمناه وتنتظره لحظة نصر
فهل ترى تاتي؟؟!!
بقية القصة اتية اليكم
أشكر مرورك الكريم
تحيتي لك
ولجرحنا الفلسطيني الواحد
أختي زينة...
ردحذفلحظة النصر آتية قريباً إن شاء الله، هذا وعد إلهي
مساء الخير
ردحذفانا بدي اعلق لما تخلصي
وتعليقي رح يكون كيف انا عايشتها للنكسة
ما انا كمان شاهد على حوادثها
بانتظار التتمة
الله يرضى عليكِ ويسعدك
كان وقتها أقصى حلم لها أن تصعد ظهر دبابة وتعود إلى بيتها بعدما خرجت منه طريدة ، ليس لها ركوبة غير قدمين حافيتين..
ردحذفابكتنى كلماتك اختاه وزادت من خجلى العربى ..
صدقينى لو قلت لك انى لا اجد كلمات للتعليق اكتفى ان اقول لك ان الله قادر على كل شىء
قبلى يد جدتك وقولى لها ان هناك ابنة لك فى مصر تدعو لك بقصر فى الجنة لاصخب فيه ولا نصب
تحياتى لكم ايها الصامدون وان شاء الله عائدون عائدون
أخي صالح
ردحذفنحن نحيا على هذا الأمل...
وهذا الوعد الإلهي...
أهلا بك في مرورك التاني
أبي العزيز يوسف
ردحذففي انتظار تعليقك
ومعرفة التفاصيل من منظورك النظالي
يسرني تواجدك الدائم
أشكرك
صديقتي أم هريرة
ردحذفهذه هي مشاعر جدتي وأحلامها
التي ترسمها منذ الأزل ومازالت ترسمها
أعظم أحلامها ان تلتقي عينيها ببيتها القديم ولو لحظة..
وكل ما تخشاه ألا تأتي هذه اللحظة
حبيبتي ام هريرة
كلماتك العظيمة تنمُ عن مدى احساسك بالألم والجرح الفلسطيني والعربي
أشكر مشاعرك النبيلة
سأخبر جدتي بدعوتك العزيزة
وجدتي من عشاق مصر
فإن لها هناك أخ شهيد يرقد تحت التراب المصري..
تحيتي لك
مساء الخير بطتي
ردحذفما اثمن الذكريات على مرارتها ...لكنها تاريخ وعلينا ان نوثقه والاهم ان نوثق التفاصيل والمشاعر التي لم تسجل في الكتب
جدتك كنز ثمين الله يطول في عمرها ويعطيها الصحه ويديم والديك لك يا رب.
ارجو ان تقرأي هذه التدوينه
http://liddawee.blogspot.com/2010/08/blog-post_14.html
في مدونة الاخ جعفر حجير.
هو يعبر عما نفسي ان اقوله.
البحث في ذاكرة فلسطين وذاكرة من عاصروا أحداث الحرب يبعث على الحزن ولكن لابد أن نعرف تاريخا مضى حتى نعلم سبب ما نحن فيه الأن.
ردحذفبارك الله في عمر جدتك، ورزقها الله الصحة.
أتابع عن قرب، ونتظر الجزء الثاني.
تحياتي أختي زينة.
صدقيني لو قلت لك اني شفتها ، لاني تذكرت امي رحمة الله عليها لما كانت تحكي عن ذكريات الحرب 56 و67 ..
ردحذفشعرت بها في لمعة عيونها وهي بتحكي عن النصر ، وفي انكسار قلبها وهي بتحكي عن الهزيمة ، وبنظرة أمل وهي بتحكي عن اكتوبر ..
بكرة راح يجي الدور علينا ونحكي هيك لاولادنا واحفادنا كمان ..
أنا دائما بحكي انو هاللحظة ( لحظة النصر والتحرير) آتيه لا محاله وهالشي مضمون وأكيد!
ردحذفبس اللي نحنا مش ضامنينو أنو الله يكتبلنا عمر لنشوف هاللحظة (:
::
بانتظار التتمّة ...
حفظ الله جدتك وحفظك لها اللهم آمين
ردحذفموضوع المذكرات له عبق وسحر خاص جدا لأنه يحكي لنا حقبة زمنية لم نعيشها وهو يعد موروث تاريخي لمن عاصروه
في انتظار باقي الأجزاء خالص مودتي
صديقتي العزيزة
ردحذفنيسان
هي ثمينة الذكريات فلم يبقى لنا من الوطن
إلا ذكرى ... والم يعتصر الفؤاد
تحية خاصة لكِ من جدتي العزيزة
وأشكرك على افادتي بعنوان مدونة الاخ جعفر
سأصل إلى هناك
اخي ابو حسام الدين
ردحذفهي حقيقة اننا لن نستطيع التقدم خطوة
للأمام دون معرفة الماضي والاسباب التي آلت
بالأمور الحالية
أشكر حضورك الكريم
تحيتي
أختي وبنت بلدي العزيزة
ردحذفامتياز
بكرة الدور علينا في رواية التاريخ
كل ما أتمناه هو ان يكون ما نرويه
يحمل فرحة وفرج ...كفانا الم ومحن
تحيتي لك في مرورك الثاني لدي هنا
عزيزتي فرح
ردحذفوين هالغيبة
صحيح خيتي يالي بخوفني جد إنه نعيش ونموت ونحن ننتظر ولا تاتي هاللحظة
لدي بوستقبل فترة نشرته بعنوان " نزاع النوم والأرق "
يحمل نفس الشعور
الصديقة كريمة
ردحذفأهلا بتواجدك المستمر بين كلماتي
أنا سعيدة بالتعرف ألى مدونتك التثقيفية
الأدبية
والمذكرات والذكريات من أجدادنا طبعت ونسخت في العقول والقلوب
فهم لا سيرة لديهم إلا سيرة الوطن
ونحن ليس لدينا هم إلا جمع أكبر قدر من تاريخه ومن ذكرياته
التي سنهديها للوطن يوما ما مع المجد والعودة والنصر
مرة أخرة
تحيتي لك