الأربعاء، 3 أبريل 2013

خلف قضبان الظلام .. يرتسم النور



خلف قضبان الظلام .. يرتسم النور

قصة قصيرة

على حافة النافذة الصغيرة المطلة على سرداب طويل يقف كل يوم شعاع  نور لمدة ساعة.
خلف النافذة الملّحمة بالقضبان السميك تقبع هناك عينان تراقبان النور المتسرب بلهفة وشغف.
عينان تمكثان طوال اليوم مفتوحتين عبر الظلام تستدرجان مجيء ساعة الفرج .
وعندما تأتي الساعة القصيرة تتسمران  على النافذة لا ترمشان . فتأتي وتذهب اللحظة بسرعة وتعود الظلمة .
يجلس صاحب العينين ويسند ظهره للحائط ويمد رجليه فتلامس الحائط المقابل ، عن يساره جدار ثالث وعن يمينه باب موصد لا ينفتح ، في أسفله طاقة صغيرة تنفرج كل يوم مرة وتظهر من خلالها يد تلقي له بطبق أشبه بالفارغ وقطعة جافة يطلق عليها خبز .
بين النافذة و الجدران والباب الموصد وبعينيه المفتوحتين قضى عمراً لم يلمح من الدنيا إلا ظلاما وظلماً. وكان له دوما حلما أن يرى الشمس قرصاً.
تحت غمامة الظلام المطبق ليل نهار إلا ساعة ، كانت تراوده صورة والده التي لا تغادر المكان
وكلماته التي تحارب الصمت المستمر :
-       يا بني لا تخشَ الباب المغلق ولا الظلام ، فبابك الموصد يفتح أبواباً من الحرية لشعب بأكمله .. والظلام الذي يحيطك يخلق شمس مجدٍ لا تنطفئ. وإن كان حظك الموت فالشهيد حي لا يموت ولا ينتهي .
لا صوت ولا حراك  يغير شيئا من عادة الصمت المسيطر .. في صدره تتوهج الصرخات كما فتيل الزيت المشتعل .. يشبه البركان في صمته لو تكلم للفظ حمم.
بعد يوم أو يومين يحاول أن يحرك شفتيه ليخرج صوتا فتنتاب حلقه حشرجة .. يبدو أن الحنجرة كما الآلات مع قلة الاستعمال تتعطل.
خلف الجدران عبثا يحاول أن يحصي الأيام وغير الهواء العفن لا يتنسم . هناك يعاند اليأس  فيقنع الصبر بألا يتخلى عنه .. يحطم قضبان الظلام من أجل أن يحيا شعبه في النور ويتنفس ويتكلم .
رغم رتابة العيش المميت والانتظار المقيت ،  يجلس صاحب العينين الآملتين مرتاح الضمير .. لأنه سبق الشهداء في أجره فالشهيد ذهبت روحه مرة وسكنت جنان عدن ، وهو مازال يموت كل يوم مرات و مرة من أجل أن يحيا الوطن .....



الشهيد الأسير ...الأسير الشهيد ...بل الحر الشهيد

ميسرة أبو حمدية

هو يدرك أنه في أسره حر بأصفاده
وأنا أدرك أن غيره رغم حريته ..هو أسير لأهوائه..


زينة زيدان الحواجري

هناك 15 تعليقًا:

  1. مش عارفة حسة انى قرأت لك القصة دى قبل كده


    الاسير الشهيد ...الشهيد الاسير ...بل الحر الشهيد
    ومن سواه ينعم بالحرية ؟؟!! هو وحده الشهيد ( بل احياء عند ربهم يرزقون )


    قلمك ينبض احساس وتدخل كلماتك وحروفك القلب بسهولة
    رحمة الله على شهداء الاسلام جميعهم وألحقنا الله بهم فى الفردوس الاعلى

    تحياتى الدائمة لك زينة فلسطين بحجم السماء

    ردحذف
    الردود
    1. عزيزتي واختي الطيبة

      رحم الله شهداءنا و شهداء المسلمين أجمعين


      نعم هذه القصة سبق أن نشرتها عبر المدونة و قمت بإعادة نشرها لما تحمل من مضمون بأن الأسير هو الحر ونحن أسرى ضعفنا..والشهيد هو حي ونحن موتى رغم حياتنا

      سعيدة بكِ دوما

      حذف
  2. اختى العزيزة
    اخت الشهيد

    و لا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون
    صدق الله العظيم

    شعرت بصدق كل حرف مما كتبتيه
    رحم الله مسره ابو حمديه و كل الشهداء

    تحياتى

    ردحذف
    الردود
    1. أخي العزيز

      رحم الله ميسرة وكل شهداءنا


      كل التقدير لك

      حذف
  3. السلام عليكم
    قصة رائعة و معبرة جدا كيف لا و هي من رحم معاناة
    معاناةآلاف الاسرى الذين ضحوا بحريتهم بل بحياتهم من اجل الوطن بل من اجلنا نحن الاسرى
    رحم الله الاسير البطل ميسرة و من سبقوه للشهادة
    تحياتي لك اختي زينة

    ردحذف
    الردود
    1. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

      هذه المعاناة مازلت مستمرة
      ولن تنتهي إلا بعزائمنا
      هم كل يوم يدفعون ثمن حريتنا

      رحم الله شهداءنا وأسكنهم فسيح جناته

      حذف
  4. أصدق الحروف التي تخرج من بطن الألم .. ومن قاع المعاناة ..


    لك تحياتي .

    ردحذف
  5. يا بني لا تخشَ الباب المغلق ولا الظلام ، فبابك الموصد يفتح أبواباً من الحرية لشعب بأكمله .. والظلام الذي يحيطك يخلق شمس مجدٍ لا تنطفئ. وإن كان حظك الموت فالشهيد حي لا يموت ولا ينتهي .


    رائع جداااااا

    ردحذف
    الردود
    1. أخي ضياء

      هذه الكلمات تصور ايمانهم واعتقادهم التام بحريتهم

      تحيتي لك

      حذف
  6. كعادتك زينه تمسكين بأوجاع وطنك فتجعليها جسدا ادبيا يتحرك امامنا
    اللهم ارحمه واغفر له
    تحياتى واحترامى

    ردحذف
    الردود
    1. أشكرك أخي محمد

      وأشكر دعواتك الطيبة

      حذف
  7. اللهم أرحمه وتقبله من الشهداء يارب العالمين

    ردحذف

زودني بثقافتك .. مساحة النقاش بين يديك