الخميس، 6 ديسمبر 2012

كل فرد في وطني بطل


كل فرد في وطني بطل
من يومياتي


كل فرد في وطني بطل من الشيخ حتى الطفل , و المرأة قبل الرجل...
في كل يوم أخرج من البيت إلى العمل . انتظر السيارة التي تأخذني لمدرستي ودوماً في عيني أحملُ تفاؤلاً وأمل...
استقبلُ نهاري بابتسامة وجِد , فبالرغم من واقع الأمور حولي أنا لا أعرف الكلل أو الملل .منذ صغري علَمني والدي أن أرافقَ الابتسامة والأمل ونهاني عن مرافقة الكلل والملل
فهما رفقاء سوء يحملان للبشرية سوء الأداء في العمل .
هذا نهج حياتي المستمر خلال العمر..الذي هو عبارة عن أيام
أسبوع مكرر على امتداد الزمن...ما عدا يوم الثلاثاء.
في كل ثلاثاء أجبر على المشي مسافة أطول للوصول إلى سيارة العمل حيثُ أن سوق المدينة يحتل شارعنا في هذا اليوم  وعبورُ السوق أمر اعتيادي كل ثلاثاء..
دخلتُ السوق ومن عادتي التأمل في الأشياء .. رأيتُ الوجوه حولي ..البائع متحمسٌ والمشتري مترددٌ, كأن السوق نموذج للدنيا يجتمعُ فيه الثراء والشقاء..أطفال وشباب ورجال ونساء
وكلٌ يحملُ في وجههِ دلالات وعلامات وإيحاء...
هذا وجه جدة صديقتي تمشي ببطء شديد ,  وهذا وجه "أبو الوليد" ماذا حلَّ به؟؟ فقد رأيتُهُ قبل سنتين لم يكن هذا الشيب يحتلُ رأسَهُ ولا تلك التجاعيد تقطن فوق وجهه..!!
  يبدو أنه مشغول بإحصاء قائمة الأشياء التي طلبتها "أم الوليد".

وهذا "عيد " مازال يُسرحُ شعرهُ بنفس الطريقة , ويبتسم بنفس الطريقة وحبةُ العرق مازالت تنسابُ من جبهتهِ على وجههِ بنفس الطريقة لكن  وقفته ليست بنفسِ الطريقة..., بل هو جالس....!!
بنظراتي اخترقتُ المدى الذي يفصلهُ عني ونظرتُ إلى جلسته, فإذا
هو على كرسي متحرك قعيد....
عيني تسأل بألم شديد :
-         ماذا حلَّ بكَ يا "عيد" ؟؟!!
نظراتُ "عيد" تجيب :
-         لا شيء يستحق أن يُذكر فقط أهديتُ أرجلي للوطن..!!

رغم الشعور المرير تابعت المسير في نموذج الدنيا الصغير . رغم الصعاب
مازلتُ أرسمُ درس أبي على وجهي وملامحي ومازلتُ أضع ابتسامة أمل دون كلل أو ملل.

مَنْ تلك هناك ؟؟
إنها" ريم" ....
أذكرْ شقاوتها  و حكاياتها أيام ثانوية المراهقين. "ريم " الآن مهندسة تعملُ في شركة ..طيلة عمرها فتاة مرحة ناجحة..... لكنها ليست كعادتها..أين أناقتها.. أين انطلاقتها ؟؟!!
-         "ريم"  ....  ناديتها باسمها
التفتْ إليّ :
-          "زينة " ..أين أنتِ ؟
عانقتُها بعيني :
-         بخير ..كيف حالكِ ؟
-         بخير ..كل الخير ,عُدتُ إلى غرفتي الصغيرة في بيتنا.
بلسانِها تنطقُ الحروفَ وعينيَّها الدموع تعارك.
-         أراكِ مختلفة كل ما علمتُهُ من الصديقات أنكِ تزوجتِ في المدينة المجاورة قبل عام.
"ريم" والهموم يحملها صوتها :
-         تزوجتُ قبل عام ..وها أنا بعد عام... أرملة ..
صمتت لتبتلع غصتها ومرارة بطعم العلقم ثم استأنفت :
-         زوجة شهيد ..!!

ياااااااااااااااه حتى أنتِ يا " ريم " طالتك المعركة !!!
انتقلَ عراك الدموع من عينيها إلى عينيَّ ...... , فرّت من عيني دمعة انسكبت كبيرة حارة كما نار الألم التي تركتها المعركة في صدر " ريم  "... وكم من ريم في الوطن !

هذا "إياد"
"إياد" الذي كان يختالُ دوماً بجمال شعره وانسيابه ..,
ماذا حلَّ بشعرك وقوامك؟؟
أذكرُ أني كنت صغيرة ورغم صغري كنتُ أفهم ما حولي
"إياد " فارس أحلام فتيات حينا ,كُنّ جميعاً يتنافسن على الحصول
منه على نظرة ...لقد صنع بكَ العمر ما صنع...!!
يمسكُ بيمينهِ طفل ويساره طفلة..هما إذن أبناؤك ..من أجلهما الحياة تناضل !!
لم أعرف بمَنْ تزوج ؟ لكن كل ما أعرفهُ أن مشيته لم تعد تحتمل التبختر..
وشعره لم يعد ينساب...!!

وهذا البائع ...
في كل مرة أسمع صوته يجلجل, ينادي هذا ويصيحُ بذاك..
يبتسمُ مرة ويعبسٌ مرات ...
صيحاته ...
قد تكون احتجاجاً على سياسة السوق والبيع..
أو أراد فقط الفكاهة ..
أو هي كلمات يطلقها لجذب الزبون لِمَا يبيع..
ماذا يبيع ؟؟
عجباً.. رغم مروري من جانبه كل أسبوع ..
لم أنتبه لِمَا يبيع ؟؟

زينة زيدان الحواجري

هناك 18 تعليقًا:

  1. جميلة تلك اليوميات ..
    وأجمل ما فيها أنك عندما تعودين لقراءتها بعد ردح من الزمن تنتابك المشاعر نفسها التي راودتك في ذلك الزمن البعيد ..
    فكأن الزمن يعود بك حينها إلى الوراء ..
    السوق صورة مصغرة عن الدنيا .. جميل هذا التعبير وصحيح ..
    دمت بألف خير ودامت بلاد المسلمبن بألف خير ..
    ونسأل الله العظيم أن يجمع كلمتنا لنستعيد أرض فلسطين عاجلاً غير آجل ..
    مع التحية الطيبة ..

    ردحذف
    الردود
    1. أخي محمد

      تلخيص اليوميات لم يكن يوما شغفا لي
      ولكن أحيانا تأتي الامور عبر يومياتك على شكل أحداث لا تنسى
      فتجد نفسك تسطرها

      أشكر حضورك الذي يزيدني فخرا
      وأدعو السلامة لسوريا العظيمة

      حذف
  2. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  3. تقرير صحفي بأسلوب أدبي رائع لما يدور في أرض البطولة ...
    بالأمس يا زينة وبعد يوم عمل طويل، وفي طريقي إلى البيت، كنت أنظر إلى الناس في الأسواق، وتسألت كيف هي أسواق غزة، وكيف يحيى الأبطال في غزة، فسبحان الله أفتح مدونتك اليوم لأجد الرد، وكأنك كنتي في رأسي تسمعين تساؤلاتي،
    مشيت في السوق الذي أمام بيتك، رأيت ابو الوليد بعد المشيب، ورأيت عيدا يجلس في الركن البعيد مبتور الساق، رأيت صديقتك الباكية، ما أصعب الفقد، رأيت إياد الذي كان يمشي مختالا فخورا لا مباليا وصار اليوم (ابو عيال)
    مشيت ... رأيت ... ضحكت ... بكيت
    تسلم ايدك يا زينة على هذه الصورة الحية لتفاصيل الحياة اليومية في أرض البطولة

    ردحذف
    الردود
    1. أخي نادر

      يسرني جدا انك هنا
      ويسرني أن تدوينتي نالت إعجابك ..وكم أتمنى لو أرى تدويناتك التي نشتاق لها دوما..
      أسواق غزة مميزة جدا ببساطتها ووفرة الخير فيها
      و نماذج الناس التي تراها تلخص المجتمع أكمله

      تحيتي لك واحترامي

      حذف
  4. زينه المدونين
    اتعجب من حال الدنيا
    التي لا ترسي علي حال
    وامر الدول
    الذي تغير من يوم وليله
    كلنا تعساء
    اما عن اسلوبك يا زينه
    جذاب جدا جدا جدا
    انصحك بأن تكتبي كتب علي الدوام
    تحياتي

    ردحذف
    الردود
    1. صديقتي كارولين الجميلة

      أمور الدول في تغير دائم ..المهم أن نبقى نحن على ثوابتنا
      ..
      كم يسرني أن يروق لك أسلوبي
      وكم يسعدني مرورك

      حذف
  5. ريم ، عيد ......
    في كل مرة أقرأ لك أكتشف وجها آخر من معاناة بطولات هذا الشعب الأبي البطل مما يزيد أهله كبرا في عيني و يتضاعف تقديري لهم
    تحياتي لك أختي زينة

    ردحذف
    الردود
    1. أستاذ محمد

      وكم من عيد وريم يملؤن أروقة الوطن وأسواقه وشوارعه
      وبهم دوما نحو المجد يسمو الوطن
      و بتضحياتهم نتنسم الحرية

      تحيتي

      حذف
  6. جميل يا زينة

    كعادتي حين أقرأك .. مشيت معكي وابتسمت معكي و دمعت معكي .. ومع كل بطل من الأبطال ..فخورة أنا بك وبهم ..

    أذكرك بقول الرسول الكريم لصاحبه "لا تحزن فإن الله معنا".

    تحياتي لك .. لغزة .. ولسوق الثلاثاء

    أم محمد

    ردحذف
    الردود
    1. صديقتي الغالية أم محمد

      دوما كلماتي في شوق لوجودك

      أشكرك صديقتي الغالية
      كم أحب تواجدك

      حذف
  7. ماذا اقول بعد ما قد قيل هنا , تاه الكلام من فمى
    تأتى علينا اوقات يغلبنا فيها اليأس والشعور بانه لا فائدة مما نحن فيه ولن يتغير الحال ولكن تأتى الرسائل الالهيه الينا عبر اصدقاء او مواقف أو جمل عابرة لتلقى فى اذنيك ان انتبه انت على الدرب الصحيح فلا تكل ولا تبتأس بما يقولون , هكذا كانت مقالتك زينة بالنسبة لى , حقا انا لن احييك على ما كتبت ولكن سأشكرك لما كتبتيه هنا .
    اما تعبيرا منى على الاداء الادبى الرائع لموضوعك فحقا انت اديبة شاعرة فقد اخترت حتى الاسماء بعناية فائقه , فعندما كتبت هذه الجملة ( عيني تسأل بألم شديد : ماذا حلَّ بكَ يا "عيد" ؟؟!!) ذهبت انا بعيدا الى العيد وكيف يأتى ويحل على اهلنا فى فلسطين؟

    ابدعت زينه

    ردحذف
    الردود
    1. أخي محمد
      أتمنى أن تكون في كلماتي لك رسالة ايجابية والهام تفاؤلي
      وجميل أن يكون لك التفاتة لعمق الكلمات ولما وراء اللفظ من معاني

      أخي الكريم
      دوما أعتز بتواجدك

      حذف
  8. مسيرة حياة، انتقال في المراحل، وزمن يمضي ويترك تغيرات الشخوص الاحوال والاماكن.. هو ذا الحال، لكن حال واقعكم يختلف بكثير.
    لقد وضعت بعض الملامح هنا مما ترينه وتعيشينه هناك.
    مودتي أختي زينة

    ردحذف
    الردود
    1. أخي ابو حسام
      هذا هو حالنا
      وهذا جزء من معاناة الناس التي تتكرر كل يوم

      لك مني كل الاحترام

      حذف
  9. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  10. ارضكم ارض الجمال و النّضال ،،،

    كم هوجميل أن أقتفي حرفك

    http://zaman-jamil.blogspot.com/

    ردحذف
    الردود
    1. أخي منجي
      أرضنا أرض الجمال والنضال
      وأرضكم منها تبع الحرية والبطولة

      سعيدة بتواجدك أخي العزيز

      حذف

زودني بثقافتك .. مساحة النقاش بين يديك