التعليم في فلسطين...
بين مطرقة الاحتلال وسندان الدعم الأجنبي
إن التعليم هو المرآة التي تعكس تقدم الشعوب و رقيها وبه يتحقق الوعي في كافة المجالات. ويعد الشعب الفلسطيني من أكثر الشعوب إقبالا على التعلم حيث أن نسبة الأمية بين أفراده أقل بكثير من الشعوب العربية الأخرى (تعتبر النسبة الوطنية الفلسطينية للتعليم في الضفة الغربية وقطاع غزة عالية بالمقاييس العالمية والإقليمية، وتعتبر من أعلى النسب في العالم العربي (المرتبة الثانية حسب التصنيف العالمي)، حيث بلغت هذه النسبة في السنوات الأخيرة 91,2%، في حين أن نسبة التعليم بين كلا الجنسين ما بين عمري (15-24) قد بلغت 98,2%.......منقول ). ويقيناً من الاحتلال الإسرائيلي بمدى الأثر الايجابي للتعليم في حياة الشعوب وفهمها لحقوقها فإن الاحتلال يكرس هجمات كبيرة لهدم التعليم تتمثل في هجمات مباشرة وهجمات غير مباشرة.
الحرب المباشرة التي يشنها الاحتلال ضد التعليم تتمثل في قصف المدارس بشكل متعمد وكذلك حجز الكتب المدرسية في بداية كل عام دراسي على المعابر لتصلنا متأخرة عدة أشهر ، وأضف إلى ذلك ما قام به الاحتلال الإسرائيلي مؤخرا بإصدار قرار يقضي بحرمان الأسير الفلسطيني من حقه في التعليم داخل السجن؛حيث كان يحق للأسرى في السجون الإسرائيلية التعلم عن بُعد بالتنسيق بين إدارة السجون ووزارة التربية والتعليم الفلسطيني.
لكن هذه الحرب المباشرة لا تُعد شيئاً إلى جانب الحرب الغير مباشرة التي تهدم التعليم دون يقظة و وعي منا . تتلخص الحروب الغير مباشرة في عدة نقاط أضعها بين أيديكم وأتحدثُ بعين المطلِّع والعامل في سلك التعليم الفلسطيني.
النقطة الأولى:
عند وضع المنهاج الفلسطيني عام 1998م _ والذي أُقر للتدريس في المدارس الفلسطينية في مناطق الحكم الذاتي عام 2000-2001م _كان لا بُد من المرور عبر لجنة إقرار المناهج في بريطانيا . وكما المعهود في بريطانيا تحقيق مصلحة إسرائيل هو هدفهم السامي.فكل درس أو قصيدة أو صورة في المنهاج تدعو للمقاومة أو حق العودة أو اعتبار القدس عاصمة هي مرفوضة بداعي عدم غرس الإرهاب في نفوس الطلاب.
حدثنا_" د . نظمي المصري" العضو المشارك في وضع المنهاج الفلسطيني و الأستاذ المحاضر في الجامعة الإسلامية بغزة_ بأن هناك لجنة مراقبة شديدة مرَّ عبرها المنهاج الفلسطيني قبل إقراره كمنهاج دراسي في المدارس الفلسطينية وان هناك دروس حُذفت من قبل اللجنة وأفاد " د. المصري" أن القصة المقررة في مادة اللغة الانجليزية في منهاج الثانوية العامة قد لاقت رفض شديد من قِبل اللجنة . _وهي قصة " الرهان" The Bet" للكاتب الروسي Anton Chekho"" والتي تروى أحداثها قصة شاب سُجن بإرادته من اجل رهان يقضي بحصوله على مليون روبية مقابل أن يقضي خمسة عشر عام في سجن انفرادي لكن السجين الشاب يستغل فترة سجنه في التعلم وقراءة الكتب مما مكنه من إتقان ست لغات وأوصله ذلك لدرجة عالية جدا من الحكمة والعلم ، فرأى المال لا قيمة له مقارنة بما وصل إليه من العلم والمعرفة لذلك رفض المليون روبية وأخلّ بشرط الرهان و غادر زنزانته قبل انقضاء المدة بعدة ساعات _ هذا مجمل وموجز أحداث القصة التي رفضت بحجة أنها تمجد السجناء في نظر الطلاب وهذا طبعا ما يريد الاحتلال إعدامه وكذلك لأن فيها الهام للأسرى باستغلال فترة سجنهم في التعلم وكسب المعرفة.
وبعد محاولات وتدخلات كبيرة أقروا القصة في المنهاج واتخذ فريق وضع المناهج الفلسطيني ذريعة أن أحداث القصة تختلف عن الواقع الفلسطيني.
النقطة الثانية :
المؤسسات القائمة على التعليم في فلسطين تتخذ ثلاث اتجاهات :
أولا مؤسسات حكومية تابعة لوزارة التربية والتعليم الفلسطيني توفر التعليم برسوم رمزية لجميع المراحل من الابتدائية حتى الجامعية ويمثل عدد المنتسبين إليها نسبة73% .
ثانياً مؤسسات خاصة تقدم التعليم برسوم باهظة وتتبع في مناهجها وقراراتها المؤسسات الحكومية وتشرف عليها وزارة التربية والتعليم الفلسطيني ويمثل عدد المنتسبين لها نسبة 6%.
ثالثاً والتي أود الإطالة في الحديث عنها_ المؤسسات التعليمية التابعة لوكالة الغوث الدولية لتشغيل اللاجئين الفلسطينيين UNRWA توفر هذه المؤسسات التعليم المجاني للأطفال الفلسطينيين اللاجئين للمرحلتين الابتدائية والإعدادية وكذلك توفر دراسات معاهد في بعض المجالات المهنية ويمثل عدد الطلاب المنتسبين للمدارس التابعة للأنروا 24%. ولأن المرحلتان الإعدادية والابتدائية تعتبران من أهم المراحل في تكوين القاعدة الثقافية والعلمية لدى الطلاب فإن وكالة الغوث تقوم باستغلالها على أتم وجه وحجتهم التي تقنعهم وحدهم وتبرر أفعالهم دائما هي ( استئصال العنف والإرهاب من نفوس الأطفال الفلسطينيين ) .
النقطة الثالثة:
البرامج المضافة حديثاً من قِبل وكالة الغوث هي برامج ألعاب الصيف "Summer Games" وهي برامج ترفيهية تُطبق أثناء فترة إجازة الصيف ، وما يدعونا للتساؤل في شأن برامج ألعاب الصيف أمران الأول توقيت هذه البرامج والثاني محتوى هذه البرامج.
التوقيت:
جاءت برامج ألعاب الصيف فقط بعد زيادة نشاطات مخيمات حفظ القرآن الكريم والتي وجدت لدى الأطفال وأولياء الأمور قبول و إقبال شديدين حيث تم تخريج _خلال إجازة الصيف_ أكثر من ألف حافظ لكتاب الله _عز وجل _ وأُطلقت حملات لتحفيظ القرآن تحت اسم برامج " تاج الوقار " وإيماناً من الاحتلال ووكالة الغوث بان الصلاح يأتي بحفظ كتاب الله كان لا بُد لها من إجراء يحد من برامج "تاج الوقار" ويقلل الإقبال عليها . فأتت برامج ألعاب الصيف الترفيهية المجانية التي توفر للأطفال شتى وسائل اللعب والمرح . وكرست وكالة الغوث لهذه البرامج ميزانيات ضخمة حيث إن ميزانيتها لهذا الصيف خمسة عشر مليون دولار أمريكي صُرفت فقط في غزة في خمسة وأربعين يوما.
محتوى برامج ألعاب الصيف :
تُوفر برامج ألعاب الصيف زوايا عديدة من رياضة ولعب ولهو وفلكلور ومسرح وعروض مما يحقق للأطفال متعة كبيرة لكنه اللعب من اجل اللعب وليس اللعب الهادف الذي يغرس القيم التربوية والاجتماعية والدينية في نفوس الأطفال . فهم يرون أن للطفل الحق في أن يلعب ويرسم ويرقص ويدبك ووووو.. ، لكن ليس له الحق بأن يذم الاحتلال أو يناقش قضية تخص أمور الوطن أو حقه في أن تكون له أرض وكيان فهذا في نظرهم هو الإرهاب الذي كُرست برامجهم لمحوه من عقول أطفالنا.
وقد عَملتُ شخصياُ في برامج ألعاب الصيف وشاهدتُ هذين الموقفين اللذين أود طرحهما كشاهد ودليل في هذا المقال وعلى مدى سلبية الدعم الأجنبي لركائز مجتمعنا.
الموقف الأول:
قمتُ بتجهيز الطالبات لعرض على أغنية " لأكتب اسمك يا بلادي..." رُفض العرض لأن الطالبات ارتدين أزياء عسكرية وهذا بالنسبة للقائمين على المخيم يعتبر دعم للإرهاب.......ّ!!
الموقف الثاني :
وهو الأشد ضراوة وأشد هجوما على التعليم لدينا وعلى تاريخنا الإسلامي والعربي الفلسطيني وعلى حقنا في فلسطين .
الموقف كالتالي في زاوية تعليم اللغة الانجليزية في المخيم تجلب لنا وكالة الغوث بطاقات لتعليم كلمات باللغة الانجليزية وتكون هذه البطاقات مرفقة بالصور المعبرة عن محتوى الكلمة وبينما أنا أقلب في البطاقات استوقفتني كلمة Historyأي " تاريخ " حيث رُسم على البطاقة صورة تحمل علم الاحتلال الصهيوني و(موشي ديان) وزير الحرب في حكومة( قولدمائير) الذي أذاق العرب ويلات نكسة 1967م وإلى جانبه حائط المبكى .. هم يريدون اختصار تاريخنا في تلك الصورة التي يودون أن يغرسوها في أدمغة أطفالنا... هذا ما يريد الاحتلال غرسه في نفوس أطفالنا أن لا وجود لفلسطين في التاريخ ولا وجود للأقصى بل فقط الوجود لليهود ولحائط المبكى . قام القائمون على الإشراف على زاوية اللغة الانجليزية بالتستر على الأمر وسحبت البطاقة من جميع مدارس قطاع غزة خلال ساعات قليلة بعد فضح أمرهم واتصلتُ في عدة زميلات لي في عدة مدارس لكن لا وجود للبطاقة ولا دليل لدينا إلا هذا الفيديو الذي ألهمني القدر أن أسجله عبر كاميرا هاتفي المحمول الشخصي ...
وعندما تساءلنا عن وجود مثل تلك الصورة في مدارسنا وعن دور وزارة التعليم الفلسطيني في مثل تلك المواقف كان رد أحد الموجهين التربويين العاملين في برنامج ألعاب الصيف "أن هذه البطاقات والمواد التعليمية والترفيهية أحضرتها وكالة الغوث عن طريق دولة الاحتلال ..."
_ وهنا لا بد أن نتوقف طويلاً _ الاحتلال الذي يمنع دخول الأدوية ودخول الطعام وضروريات الحياة الأساسية لماذا يساهم بشغف لإدخال هذه المواد الترفيهية لأطفال فلسطين ؟؟!!!! إن الاحتلال الصهيوني لا يقوم بتقديم شيء إلا إذا كان يحقق له مصالح جمة والتفسير الوحيد أن هذه المخيمات الصيفية "ألعاب الصيف " تخدم مصلحة الاحتلال بالدرجة الأولى.
شاهد هذا الفيديو وانظر ماذا يريدون من أطفالنا أن يستذكروا عندما تُذكر كلمة "تاريخ "أمامهم.....
الفيديو يوضح صورة بطاقة تستخدم لتوضيح كلمة "history أي تاريخ" ..الصورةتُظهر صورة موشي ديان وعلم دولة الاحتلال الصهيوني وحائط المبكى .. هذه البطاقة ضمن المنهاج الفلسطيني (مادة اللغة الانجليزية) الذي يُدرس في المدارس الفلسطينية..!!!!!
بقلم / زينة زيدان الحواجري
أخيراً:
لقد شاركت في بعض الواجبات التدوينية فيما سبق والتي أطلقها أصدقاؤنا الأعزاء كدعوة للكتابة والتفريغ. لذلك شعوراً مني بمدي أهمية التعليم ومدى سبل العراك والمعارك التي تُشن عليه هنا وفي جميع دول الوطن العربي الحبيب أود إشراك الأصدقاء والصديقات في الحديث عنه كواجب تدويني أطلقه من هنا للكتابة في الأمور التربوية والتعليمية ...
الواجب ألخصه في نقاط للتسهيل كالتالي:
1_ نسبة الإقبال على التعليم .
2 _ المؤسسات المشرفة على العملية التعليمية التربوية في الدولة.
3- المحتوى التعليمي ومدى مجاراته للتطورات العلمية وترابطه مع واقع المجتمع
4_التحديات الخارجية والداخلية التي تواجه التعليم.
5_ كشعور منا بالمسئولية اتجاه الموضوع..يكلف المدون ثلاث مدونات أخرى للكتابة في هذا الشأن..
وقد حاولت اختيار الأصدقاء والصديقات من دول عربية مختلفة لأخذ فكرة توضيحية عن النظام التعليمي في دول الوطن العربي المختلفة...
المدونات المكلفة :
زينة زيدان الحواجري