خلف قضبان الظلام .. يرتسم النور
قصة
قصيرة
على حافة النافذة الصغيرة المطلة
على سرداب طويل يقف كل يوم شعاع نور لمدة
ساعة.
خلف النافذة الملّحمة بالقضبان
السميك تقبع هناك عينان تراقبان النور المتسرب بلهفة وشغف.
عينان تمكثان طوال اليوم مفتوحتين
عبر الظلام تستدرجان مجيء ساعة الفرج .
وعندما تأتي الساعة القصيرة
تتسمران على النافذة لا ترمشان . فتأتي
وتذهب اللحظة بسرعة وتعود الظلمة .
يجلس صاحب العينين ويسند ظهره
للحائط ويمد رجليه فتلامس الحائط المقابل ، عن يساره جدار ثالث وعن يمينه باب موصد
لا ينفتح ، في أسفله طاقة صغيرة تنفرج كل يوم مرة وتظهر من خلالها يد تلقي له بطبق
أشبه بالفارغ وقطعة جافة يطلق عليها خبز .
بين النافذة و الجدران والباب الموصد
وبعينيه المفتوحتين قضى عمراً لم يلمح من الدنيا إلا ظلاما وظلماً. وكان له دوما
حلما أن يرى الشمس قرصاً.
تحت غمامة الظلام المطبق ليل نهار
إلا ساعة ، كانت تراوده صورة والده التي لا تغادر المكان
وكلماته التي تحارب الصمت المستمر
:
-
يا
بني لا تخشَ الباب المغلق ولا الظلام ، فبابك الموصد يفتح أبواباً من الحرية لشعب
بأكمله .. والظلام الذي يحيطك يخلق شمس مجدٍ لا تنطفئ. وإن كان حظك الموت فالشهيد
حي لا يموت ولا ينتهي .
لا صوت ولا
حراك يغير شيئا من عادة الصمت المسيطر .. في
صدره تتوهج الصرخات كما فتيل الزيت المشتعل .. يشبه البركان في صمته لو تكلم للفظ
حمم.
بعد يوم أو
يومين يحاول أن يحرك شفتيه ليخرج صوتا فتنتاب حلقه حشرجة .. يبدو أن الحنجرة كما
الآلات مع قلة الاستعمال تتعطل.
خلف الجدران
عبثا يحاول أن يحصي الأيام وغير الهواء العفن لا يتنسم . هناك يعاند اليأس فيقنع الصبر بألا يتخلى عنه .. يحطم قضبان
الظلام من أجل أن يحيا شعبه في النور ويتنفس ويتكلم .
رغم رتابة
العيش المميت والانتظار المقيت ، يجلس
صاحب العينين الآملتين مرتاح الضمير .. لأنه سبق الشهداء في أجره فالشهيد ذهبت
روحه مرة وسكنت جنان عدن ، وهو مازال يموت كل يوم مرات و مرة من أجل أن يحيا الوطن
.....
الشهيد الأسير ...الأسير الشهيد ...بل الحر الشهيد
ميسرة أبو حمدية
هو يدرك أنه في أسره حر بأصفاده
وأنا أدرك أن غيره رغم حريته ..هو أسير لأهوائه..
زينة زيدان الحواجري