حــــــــــــــــــــــوار
صديقان هما أحدهما أعمى والآخر بصير . البصير يأخذ بيد صديقه
ويمشيان على جانب الطريق ،الأعمى يمشي بحرية والبصير يمشي بحذر خشية على صديقه من
التعثر في الحفر.
الأعمى :
-
ما أحب الأشياء إليك ؟
أجاب البصير بثقة :
-
القمر
-
ما أحب الألوان لديك ؟
-
الألوان الداكنة وأخص منها اللون الأسمر
.
-
وما أفضل أوقات اليوم لديك ؟
-
وقت أختلي به مع نفسي فأدنو من أحلامي
وأشعر بقرب باب السماء من قلبي ،
وقت الليل يا صديقي هو
أعذب لحظات يومي .
الأعمى يستمع ويُكمل .
عيناه لا ترمشان لا يأبه بمن هم حوله من بني الإنسان .
البصير يتلفت يميناً
وشمالاً .. يرصد الطريق ، يخفض صوته أثناء
حديثه كلما مرّ شخص
بجانبه . الأعمى يتحدث
بطلاقة وبلا اكتراث ، ويعاود تساؤلاته :
-
لو أردت تركيز تفكيرك في شيء ما ، ماذا
تفعل ؟؟
-
أغمض عيني فعندما أغمض أشعر بأن تفكيري
أنقى وأصفى
-
ماذا تشعر عند انتهاء الظلام وحلول الفجر
؟
-
يتسلل إلى نفسي ضجر العمل الذي يلاقيني
كل صباح .
-
هل الشمس هي أصل نور الفجر ؟
-
نعم .
-
لم تخشاها إذن ؟
-
لأنها حارقة وتخطف البصر.
داخل قلبه تتخبط
المشاعر فهو لا يعرف كيف يكون النور ولا كيف تكون الشمس ، كل أوقات اليوم لديه
سواء ..بينه وبين نفسه يتساءل : " كيف يمكن للشمس أن تخطف البصر و هي أصل النور...؟؟!! "
الأعمى يفكر ومازال
يصمم على معرفة حقيقة النور والبصر , يتحسس الإجابات والكلمات التي تخرج من فاه
صديقه ويحللها ، كباحث هو عبر ذاته يفتش بين خبايا النفس عن نواقص البشر .لكنه لا
يقتنع بإجابات صديقه ويشعر بأن بها شفقة لا مصداقية ولا حقيقة صريحة .
-
هل تود مواساتي بإجاباتك لأنني فاقد
للبصر ..؟ أريد أن تعلم يا صديقي بأن البصر لا علاقة له بنور القلب ولا بالصبر.
يتنهد البصير كأنه وصل لما يريد من هذا الحوار المتصل :
-
هذا ما أردت لك أن تؤمن به وتعرفه فليس
كل بصير سعيد فالسعادة مكانها القلب وليس العين ، فأنا حقا أحسدك على نعمتك التي
تملكها فعينك لم تقع على أذى ولم ترَ يوما ما يفعله البشر ، وتعامل الناس بصدق
فأنت لا يغريك جمال وجه ولا ينفرك قبحه إنما تلمس الروح الطيبة فتعرفها و تشعر بالروح
الخبيثة فتمقتها ، وأبدا لن يغريك المظهر فأنت لن تحكم على هذا أو ذاك من مظهره
بالغنى أو الفقر .
-
ولكن ما أعرفه أنه لا يستوي الأعمى و
البصير .
-
نعم نحن فعلا لا نستوي فأنت ترى بقلبك
وأنا أرى بعيني ، والعين تخدع بينما لا يخطئ القلب .
في نفس الطريق مازالا يمشيان البصير يحد من بصره ليطمأن
لموقع قدمه والأعمى يتلمس الطريق بقلبه .. ويدرك أن النور مصدره القلب وليس البصر
وأن العين تستمد إبصارها من التفاؤل ، وأن الشمس مكانها ليس السماء إنما داخل
الصدر .
زينة
زيدان