زينة ... منذ أول خطوة
انتابني شغف بأن أكتب عني ... لأمور جدت .. ولعلي أوفي حق أناس فعلوا الكثير لأجلي ..
محطات
( أول خمس سنوات من عمر الطفل هي الأكثر تأثيرا في تشكيل شخصيته)
أول خمس سنوات لي ..
قبل دخولي المدرسة تربيت على الحكايات التي كانت ترويها أمي ..كانت حكاياتها عامل تحفيز لنا أنا وأخوتي فإن أتممنا ما تطلبه منا ستحكي لنا قصة من قصصها التي تنغمس كلماتها بدفء حنان الأم و تُطعم بالقيم والحكم وحب الوطن ...كانت أمي تسردها بشغف كبير وكنا أنا وأخوتي نستمع بشغف أكبر ..
كنتُ أحفظها وأرويها ، مازالت أمي وأخوتي يذكرونني بتلك الحكايات التي كنت أعد سردها عليهم و أنا دون الثلاث سنوات، وما زالوا يقلدون لفظ بعض الكلمات التي لم أكن أتقن لفظها..
في الصف الرابع الابتدائي...
كنت أغني لأمي كلمات لا أعرف كيف اخترعها عقلي الصغير ولا كيف لحنها .. كانت تلك الكلمات لا تتناسب مع سني الطفولي قدر تناسبها مع مزاج عاشق غاب عنه من يحب ( بين السير والباب ضاعت الأحباب .. زمنا فرقنا... والحبيب عنا غاب..)
بلحن حزين كنت أغنيها وأرددها ..
في المدرسة كنت في بعض الأحيان أستعير قصص الأطفال المصورة فقرأت الكثير منها .. قصص مصرية (مكتبة سمير ) وكذلك قصص مترجمة من الأدب الأجنبي مثل رابونيزل وغيرها ..
عندما أنهيت الصف السادس الابتدائي وفي إجازة الصيف قرأت رواية جيب مصرية ( المغامرون الخمسة ) كان يقرأها أخي الذي يكبرني 12 عام..
في تلك الأثناء و بينما كنت طفلة .. جاء الموت موحشا مفزعا واختطف من حضن عائلتنا أخي .. ومنذ ذاك اليوم لم يعد في البيت صغار ..كبرنا جميعا وصارت سنوات عمرنا تضاهي حجم الألم الساكن في عيني أمي وحجم الغضب الذي يملأ صدر أبي وحجم الحزن الساكن فينا..
في المرحلة الإعدادية ..
أصبحت القراءة دأبنا وحديثنا ومتعتنا ..
صرت أنا وأختي أسماء وأخي الذي يكبرنا بأعوام قليلة نوفر من مصروفنا اليومي لنشتري روايات الجيب المصرية .. قرأنا خلال عام أكثر من خمسين رواية من سلسلة رجل المستحيل وملف المستقبل للكاتب د. نبيل فاروق .. ثم اهتدينا لطريقة اقتصادية أكثر وهي تبادل الكتب مع الصديقات والأصدقاء في العائلة وفي المدرسة وثابرنا على الأمر حتى صرنا في المدرسة مجموعات نعرف بعضنا البعض ونتبادل الروايات بشكل مستمر ، ربما كان الواحد منا يقرأ ثلاث روايات في الأسبوع الواحد .
في الصف الثاني الإعدادي كتبت أول رواية أو قصة طويلة بعنوان
(الحب المفقود ) وكانت ما يقارب 72 صفحة بمقاس كراس المدرسة .
ودارت تلك الرواية " القصة " - بأسلوبها البوليسي البسيط - بين الصديقات وأخذت سيطاً واسعاً في المدرسة . وخصصت الجزء الأخير من الكراس لتكتب به الصديقات آرائهن .
في الصف الثالث الإعدادي كتبت قصة جديدة بعنوان " حلم وحقيقة " تتكون من 104 صفحة ، وأيضاً قرأها الجميع وكتبوا لي آرائهم التي
مازلت حتى اللحظة أحفظه واحتفظ به .
في الصف الأول الثانوي كان لدينا في مقرر مادة اللغة العربية قصة
" عنترة " فقرأتها في الإجازة قبل بدء العام الدراسي وكتبت لها نهاية تختلف عن النهاية الموجودة في المقرر . وبعد شهر من الدوام المدرسي منحتها لمدرس اللغة العربية ، فلم يصدق أن ما قرأه من وحي خيالي ..وعندما رأي كتاباتي السابقة جعل لي من كل حصة تعبير أو قصة أو قراءة جزء لأعلق على الدرس وأختمه .
في المرحلة الثانوية تنقلت في القراءة بين البوليسي والرومانسي وبدأت في كتابة الخواطر السريعة والرسائل وأذكر جيدا كم صديقة طلبت مني أن أكتب لصديقها في المدرسة المجاورة .. وما كنت أبخل بذلك أبداً ..
بشرط أن تحكي لي ما كان وما يجري وما سيكون ..لا لأطلع على أسرارها ، بل لأكتب بلسانها .. وكم كنت أستمتع بذلك .
في الصف الثالث الثانوي قرأت مقالات وأشعار لأدباء كبار مثل محمود عباس العقاد و المنفلوطي وصلاح منتصر و سامي البارودي و إبراهيم حافظ وأحمد شوقي وغيرهم كثير..
وكتبت مقالات وطنية كثيرة كنا نقرأها في حصة اللغة العربية أمام الصف وأحيانا عبر الإذاعة الصباحية أمام المدرسة.
في الجامعة ...
رغم شغفي الكبير باللغة العربية ، ورغم نصائح من حولي بأن أدرسها إلا أنني اخترت دراسة اللغة الإنجليزية ...
استمتعت جدا بدراسة الأدب الإنجليزي والعالمي .. عشقت محاضرات القصة القصيرة والرواية والشعر ..
في الجامعة ازداد شغفي بالكتابة ، وصار أسلوبي ينتقل من البوليسي السريع إلى الرومانسي الهادئ .. كتبت أكثر من مائة خاطرة منها القصير ومنها الطويل وجاب الدفتر من جديد مدرجات الجامعة وقرأنه صديقاتي من جميع التخصصات .. ووصل من خلالهن لصديقاتهن وقريباتهن .. وقرأت آراء أناس لا أعرفهم حتى اللحظة .
كنا نجلس في الجامعة تحت شجرة معينة .. جميعا نعشقها وعلى ذاك المقعد كنا نقرأ الخواطر ونتناقش ونتخاطب ونتجادل حتى صرنا نحفظها جميعا..
في السنة الجامعية الثالثة ..
أتى الموت مرة أخرى .. بنفس الوحشة ...
اختار الله صديقتنا " نيفين أبو رجيلة " بأن تلقاه شهيدة .. طائرات العدو أخطأت هدفها من أفراد القسام وأصابت نيفين..
كان فقدان نيفين بالنسبة لنا فاجعة .. تحت تلك الشجرة وعلى ذاك المقعد بكينا كثيرا .. وقلبنا دفاتر مذكراتنا التي كنا نتبادلها لنكتب لبعضنا البعض .. جاءت كلمات نيفين وخطها سهما في قلوبنا سبب جرحا لا يلتئم ..
ولما جلسنا في المرات اللاحقة كان ينقصنا شخص عزيز وفرحة وضحكات غابت منذ ذاك اليوم ولم تعد .
استشهاد نيفين – رحمها الله – أثر فيّ وفي كتاباتي وأسلوبي وكتبت لها وعنها كثيرا ...
في السنة الجامعية الرابعة..
كنا ندرس طيلة الأسبوع .. وننزل يوم تدريب ميداني .. بدأت المسئوليات تكبر ولم تعد تصغر أبدا .. ورغم ذلك لم أنقطع عن الكتابة والقراءة.
تخرجنااااا..
ونلنا وظائف مؤقتة تحت بند " تشغيل الخريجين "
و..... و و و .........
في السنوات اللاحقة كتبت الشعر ، أول قصيدة كانت بعنوان
" مصر العزيزة " وهي أول قصيدة نشرتها هنا عبر المدونة ..
في أكتوبر 2010
علمت أن هناك عالم اسمه بلوغر وعرفت معنى تدوين .. وصار لي مدونة. ونشرت بها فجاءت آراء الأصدقاء والزملاء تشجعني وتحثني على جعل الكتابة أكبر من هواية ... وسلكت ذاك الدرب..
تخرج القصيدة أو الخاطرة أو القصة من قلبي إلى حبر القلم ..ثم إلى أذن أمي ومن بعدها أختي أسماء ... ثم إليكم
وعادت تلك فكرة التي طالما لاحت عبر أفق طفولتي تراودني من جديد ..فكرة النشر .. فوجدت أن الأمر ليس مستحيلا ..فبدأت أحاول ..وأقرأ أكثر وأكتب بشكل أغزر ...
وجدت هنا منذ خطوتي الأولى عبر التدوين قلوبا احتوتني وكان لها الفضل بأن يكبر الحلم فيّ ( يوسف ونيسان و رشيد وهيثم ونادر) وغيرهم كثير ...
وقبل عدة أشهر بدأت بمساعدة أبي العزيز يوسف ببلورة فكرة حول نشر بعض كتاباتي في كتاب يجمعني وبعض الصديقات .. ومازلنا نثابر على الفكرة كي تصبح واقع ونجاح نلمسه بإذن الله ...
وتم قبول مشاركتي " ذابت الكلمات على شفاه القلم " في كتاب المائة تدوينة الثاني ( نوافذ مواربة )..
منذ شهرين
أرسلت بعض كتاباتي إلى " رابطة الأدباء والكتاب الفلسطينيين"
لتأتيني بعد شهر موافقة لجنة الرابطة على قبولي عضو في الرابطة . وقبل أسبوع حصلت على كرنيه العضوية .. وتحقق حلم حلمنا به أنا وصديقاتي ونحن في الصف الثالث الإعدادي حيث كتبت لي إحدى الصديقات في أسفل تعليقها على قصتي " ستكونين كاتبة وأدبية " ضحكت أنا والصديقات وقتها على تلك الكلمات التي كانت في نظرنا صعبة و بعيدة المنال ..
" كرنيه عضوية رابطة الكتاب والأدباء الفلسطينيين "
اليوم و بعد أن قطعت شوطاً من الإنجازات التي أعتز بها .. لا أنكر حبكم لي ولا تحفيزكم لما أكتب .. بكم أنتم أنا دوما للأمام أتقدم..
لا أنكر فضل صديقات الطفولة والثانوية والجامعة ولا أنكر فضل أساتذتي ومعلماتي ..
لا أنكر القلبان اللذان احتوياني بحبهما و شغفهما بما أكتب أمي وأختي أسماء ..
لا أنكر للروايات المصرية وللكاتب نبيل فاروق دورهما في جعل القراءة والكتابة لدي روتين يومي ...
غداً من جديد سأطرق باب الجامعة لأستكمل دراستي ليس من أجل درجة " الماجستير " إنما لأبدأ خطواتي من جديد بصحبة اللغة العربية .. وأعود لمدرجات جامعتي طالبة في قسم اللغة العربية التي كنت ومازلت وسأظل أعشقها ..
لأصبح معلمة وطالبة في نفس اللحظة...
تلك كانت خطواتي التي خطوتها حتى اللحظة...
وبكم في الغد ستكون لي خطوات أخرى...