أشياء من
هنا
الجزء الأول
المخيمات تلك البؤر
السُكّانية القديمة التي وفرتها وكالة الغوث الدولية للاجئين الفلسطينيين في أماكن
لجوئهم في داخل الوطن والشتات مثل سوريا ولبنان والأردن– مقابل إسكات أفواه كثيرة
و تعطيل أفكار أكثر- .
شكل المباني في
المخيم لا تتضح معالمه ، فكل بيت ملتصق بالآخر فأنت لا تعرف هل يتخذ البيت شكلاً
مربعا أم مستطيلاً ..!! فهي تصطف جنباً
إلى جنب فلولا الحزن والفقر الذي يسكنها لشبهتها بفرقة شباب يلتصقون ببعضهم في حلقة دبكة.. .و بعد عدة بيوت يصادفك شارع بل
هو شبه شارع عرضه متر أو أكثر بقليل
مياه الصرف ليست أسفل الإسفلت – هذا إن وُجد – بل على سطحه
، فأطفال المخيم يسعدون بالمياه الجارية طوال العام وليس فقط في موسم الأمطار.
لن تحتاج في المخيم
أن تطرق بابا كي تدخل إليه فكل الأبواب مفتوحة ، ما عليك إلا أن تنادي بصوت
جهوري ليسمعه أهل البيت : " يا رب يا ساتر" ... وقبل أن تكمل كلماتك
ستجد الإجابة
سريعة : " تفضل يا أبو فلان " .... (
أبو .... ) اسم ينادى به كل فرد من الزعيم حتى أصغر عامل ، ليس للألقاب في
المخيمات وعند الفلسطينيين عامة مكان .
عندما تدخل البيت من
جدرانه ستعلم حجم المأساة والفقر والعوز الذي يكتنفه وستستيقن حجم إجحاف الإنسانية
في حق أهل المخيمات , وأيضا ستلمس الكرم
الذي يتفوق على الفقر وستقابلك كرامة
النفس في كل عين تراها داخل البيت ..
......................
يحدث بين فينة وأخرى أن
يشهد المخيم أعراساً ، والعرس في المخيم له عاداته ونكهته ومذاقه وجماله... ولضيق البيت والشارع
والمخيم بأكمله يُجبر العريس أن يستأجر " صالة أفراح ".. فالعروس أبوها
فلان وعمها علان وهي ليست أقل من فلانة شأناً ووو.... – عجباً للعرب و أطباعهم
مهما يزداد فقرهم يبقى الفخر ملازم
لهم -
إلا أن فخامة الصالة أو عدمها ليس شرطاً إنما الشرط هو توفرها .
ومن العادات الجارية أنه لا يحق للعريس أن يأخذ
عروسه من عند " مصففة الشعر " مباشرة إلى صالة الأفراح ، فالعادة والعرف
تقتضيان أن تذهب العروس إلى بيت أبيها ويأتي العريس ليأخذها من هناك وإلا انتقصت كرامتها وكرامة عائلتها
بأكملها وأصبح هذا حدثاً يُلاك تحت ألسنة
أهل المخيم لجيل بأكمله وربما لأجيال ...!!
في الوقت الذي تكون
فيه العروس عن "مصففة الشعر " يكون بيت أبيها مليء بالضيوف والأقارب
والجيران الذين جاءوا من كل أنحاء المخيم وخارجه ومن المخيمات المجاورة؛ لحضور
الزفاف وليتناول الجميع وجبة الغذاء الدسمة ، وليروا العروس بفستانها الأبيض لأول
مرة في بيت أبيها .
في خارج البيت يجلس
الرجال في سرادق وفي داخل البيت تغني وترقص النساء ، جميعهن في الداخل تتنافس
حناجرهن في الصدح بأروع الأهازيج وتتموج أصواتهن بمختلف الأغاني الشعبية. مَنْ هن فوق الأربعين يصممن على الغناء
بأصواتهن مع دقات الطبل . ومَنْ هن تحت
الثلاثين يحاولن بين لحظة ولحظة تشغيل
"الكاسيت "
ليؤدين رقصاتهن.... الجميع مبتهج وفرح...
سبق أن وصلتني دعوة
لحضور هذا العرس في قلب المخيم ....
جلست في الحلقة أشاهد
النساء اللواتي طالما يملأهن الحزن كيف يفرحن اليوم ..، فمن يشهد يوما في المخيم
كهذا هو فعلا محظوظ ..
كثيراً ما أقيمت لنا
أعراس بلا رقص ولا فرح ولا مزمار...
المؤازرة هي طبع
متأصل في نفوس أهل المخيم ، فكل شهيد في المخيم له ألف أم وكل جريح كل المخيم
أصحابه وأحبابه ، فكثير من بنات المخيم لم
يلبسن الفستان الأبيض في يوم زفافهن ؛ بسبب الحرب التي محت معالم الفرحة وخلفت الشهداء
والجرحى والأسرى و الثكالى ...!! و طالما يفعلن هذا عن طيب خاطر ...!! وسُجلت
لعرائسنا نقطة كفاح لم تتميز بها غيرهن من العرائس.. !!
... يتبع
زينة زيدان